آخر الأخبار

سلسة المبشرون بالجنة “أبو بكر الصديق”

Posted by mehdi ~



أبو بكر الصديق (رضى الله عنه)
أبو بكر الصديق

أبو بكر الصديق “الصديق” رضى الله عنه وأرضاه :-

1 – تعريف به :

هو عبد الله بن أبى قحافة وأمه أم الخير سلمى بنت صخر وهى ابنة عم أبيه ، وأمه وأبوه من بنى تيم ، وهم قوم اشتهروا بدماثة الخلق ، والأدب الجم.

وقد ولد أبو بكر بعد الرسول بعامين تقريباً ، وكان منذ نشأته تبدو عليه محايل الذكاء كما كان حسن الخلق طيب العشرة ، ولما شب أصبح محبوباً فى قومه مقدماً بين أهله وعشيرته.

كان اسمه فى الجاهلية “عبد الكعبة” وكان يأنف أن يعبد الأصنام ، ويسخر من الذين يعبدونها ويسفه عقولهم ويقول : أناس يعقلون ويسمعون ويبصرون ويعبدون ما لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر إنه لشىء عجيب.

ويقول أبو بكر : أخذنى أبى مرة إلى الكعبة حيث حشدت بها مجموعة من الأًنام وقالى لى : يا بنى زز هذه آلهتك فاعبدها وتقرب إليها وتركنى وذهب فدنوت من الصنم وتحسسته فوجدت قطعة من الحجر صنعت على غير هدى وسألته : هل تستطيع أن تطعمنى إذا جعت ؟ أو تكسونى إذا كنت عارياً ؟ وطبيعى أن الصنم لن يعطنى جواب فهززته ودفعته فانكب على وجهه وانفلتت منى ضحكة على هذا الإله الذى لا يستطيع أن يحمى نفسه ، ولكنى أسرعت مهرولاً إلى بيتى حتى لا يرانى عبدة الأصنام فينزلوا بى ألوان الضر.

ولم يكن أبو بكر يشرب الخمر فى الجاهلية ، وكان يقول : إننى أصون عرضى وأحافظ على مروءتى فإن من يشرب الخمر يضيع عقله وتذهب مروءته.
وكان فى الجاهلية يشتغل فى تجارة الثياب وقد راجت تجارته ونمت ثروته لأنه كان حريصاً على الأمانة والاستقامة ، فوثق به الناس وأكثروا من التعامل معه.

2 – صلته بالرسول :

وقد تعرف أبو بكر على محمد بن عبد الله قبل البعثة بفترة يختلف المؤرخون فى تحديد طولها ، وقامت بينهما علاقة حب وتعاون ووثق كل منهما فى صاحبه ولما انقطع الرسول للعبادة فى غار حراء ، وكان أبو بكر شديد الحرص على التعرف على أخباره وأحواله فلما جاء الوحى للرسول وبدأت رسالة الإسلام التقى أبو بكر بالرسول ودار بينهما الحوار التالى :

أبو بكر : لقد افتقدتك يا محمد طويلاً فكيف حالك ؟
الرسول : وهل تصدقنى يا أبا بكر إذا عرفتك بحالى ؟
أبو بكر : ومن سواك أصدق إذا لم أًدقك ؟
الرسول : إن الله جعلنى بشيراً ونذيراً وجعلنى دعوة إبراهيم وأرسلنى إلى الناس جميعاً ليعبدوا الله ويتركوا عبادة الأًنام.
أبو بكر : والله ما جربت عليك كذباً قط وإن عبادة الأصنام لجرم ينبغى القضاء عليه ، وإنك لخليق بالرسالة لأمانتك وصلتك بالرحم ، مد يدك لأبايعك.

وكان أبو بكر بذلك أول المسلمين من الرجال ومن أجل هذا أسماه الرسول “أبا بكر” بدلاً من “عبد الكعبة” لأنه بكر بدخول الإسلام كما لقبه “الصديق” لأنه بادر بتصديق الرسول فى مواقف كثيرة ، وبخاصة فى مطلع الإسلام وفى حادثة الإسراء والمعراج.

ومن أجل سرعة تصديقه للرسول يصفه الرسول بقوله : “ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة وتردد إلا أبا بكر ، فإنه أسرع بتصديقى وتأييدى وما لأحد عندنا يد إلا كافأناه عليها ماعدا أبى بكر كان له عندنا يداً يكافئه الله عليه وما نفعنى مال أحد مثلما نفعنى مال أبى بكر ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلى”.

وروى عن عمرو بن العاص أنه قال : سألت رسول الله أى الناس أحب إليك ؟ قال : “عائشة” قلت : ومن الرجال ؟ قال : “أبوها” ( ).
حمل أبو بكر عبء الدعوة للإسلام فى مطلع البعثة وكان موثوقاً به ، كما كان موضع الإجلال والتقدير من رجالات عصره ، ومن هنا فإنه عندما حمل عبء الدعوة نجح فى ذلك نجاحاً كبيراً فدخل الإسلام على يديه مجموعة السابقين الأولين ، والذين نشروا دعوة الإسلام ودافعوا عنها بالكلمة والسيف ومن هؤلاء عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وسعد بن أبى وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف والأرقم بن أبى الأرقم وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم من السابقين الأولين.

وفى مطلع الإسلام دخل مجموعة من الضعفاء والعبيد دين الله ولكن العبيد تعرضوا لمحنة شاقة فقد كان سادتهم يعذبونهم بألوان من العذاب حتى يعودوا إلى عبادة الأصنام ولكن هؤلاء تمسكوا بدينهم ومن هنا زاد عدوان السادة عليهم وقد تقدم أبو بكر لإنقاذ هؤلاء الضعفاء فكان يشتريهم من ساداتهم ويعتقهم ومن هؤلاء بلال وعامر بن فهيرة زنيرة التى كانت جارية لعمر بن الخطاب قبل إسلامه وغيرهم.

ويروى أن أمية بن خلف الجمحى الذى كان سيداً ومالكاً لبلال بن رباح تعب من تعذيبه لبلال ويئس منه فلما ساومه أبو بكر : فى شرائه نظير خمسة أوقيات من الذهب قال أمية : إنى أبيعه ولو بأوقية واحدة فقال أبو بكر وأنا أشتريه ولو بمائة أوقية.

وقد انتهز بعض المشركين هذه الفرصة ، فكانوا يعتدون على عبيدهم ويعذبونهم ليس حرصاً على الوثنية ولكن لكى يتقدم أبو بكر لشرائهم فكانوا يبالغون فى المساومة حتى يحصلوا من أبى بكر على أغلى ثمن.

ويروى أن أبا قحافة والد أبى بكر قال لابنه فى هذا الصدد : ليتك تعتق رجالاً فيهم قوة وصلابة ليمنعوك وليقوموا دونك ، ولكن أبا بكر أجابه بقوله : يا أبت إنى أريد ما عند الله. ويروى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن الرسول r حث المسلمين مرة على أن يتصدق القادرون منهم بما يستطيعون قال عمر : فانتهزتها فرصة لأسبق أبا بكر مرة فى عمل خير ، وجئت إلى الرسول بنصف مالى وقدمته إليه ، فسألنى الرسول : ماذا أبقيت لأهلك ؟ فأجبت : أبقيت لهم مثل هذا القدر.

وبعد لحظة جاء أبو بكر وقدم للرسول مالاً كثيراً فسأله الرسول : ماذا أبقيت لأهلك ؟ قال أبو بكر : أبقيت لهم عون الله وحب رسوله.

ويقول عمر : قلت لنفسى حينذاك : إنى لن أسبق أبا بكر أبداً.

3 – هجرته مع الرسول :

عندما اشتد أذى المشركين للمسلمين سمح الرسول للمسلمين بالهجرة إلى يثرب التى كان الإسلام قد انتشر بها وبقى الرسول فى مكة ينتظر أمر الله بالهجرة وتآمرت قريش للقضاء على محمد قبل أن يلحق بأصحابه وحينئذ جاء الإذن للرسول بالهجرة وأسرع الرسول إلى أبى بكر يخبره بذلك ، فقال له أبو بكر الصحبة يا رسول الله فرحب الرسول بصحبته وقد جهز أبو بكر للهجرة كل ماله ، كما جند لها أهل بيته وخاطر بنفسه فصحب الرسول مع علمه بأن قريشاً ستتبعهما وستحاول القضاء عليهما.

وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع ما تقوله قريش عنهما نهاراً ثم يأتيهما ليلاً بغار ثور حيث يختفيان لينقل لهما أخبار قريش.

وأمر إلى مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه فى سفح جبل ثور ، ثم يذهب باللبن فى المساء إلى الغار ليقدمه للرسول ورفيقه.

وحمل أبو بكر أكثر ماله فى هذه الرحلة ليكون عوناً له وللرسول وكانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما بالطعام كل مساء وقد شقت أسماء نطاقها فجعلته قسمين تستعمل أحدهما نطاقاً تشد به وسطها وتخفى الطعام فى الآخر ، ولذلك سميت “ذات النطاقين“.

ويروى أن أبا بكر كان فى هذه الرحلة يسبق الرسول أحياناً ويلحقه أحياناً فلما سأله الرسول عن ذلك قال : أتذكر التربص فأسبقك وأتذكر اللحاق فأمشى خلفك فأبو بكر يريد أن يفتدى الرسول بنفسه.

وقصة اختفاء أبى بكر مع الرسول فى الغار أوردتها الآية الكريمة (ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) [التوبة : 40]

ومن الحق أن نقرر أن طول صحبة أبى بكر للرسول مع إخلاصه وصفاء نفسه جعلته أكثر المسلمين انتفاعاً بروح الإسلام ومقاصده.

4 – لمحة من صفاته :

إن الدارس لحياة أبى بكر قبل الإسلام وبعده ، يجد فيه مجموعة من أسمى الصفات وأعظم السجايا ، وقد زاده الإسلام سمواً وسماحة وصفاء ، فلما آلت له الخلافة ، أبرزت فيه قمة الخلق وروعة الإنسان ، وسنورد بعض النماذج من صفاته عبر حياته كلها.

أ – التواضع :

كان أبو بكر مطبوعاً على التواضع ولين الجانب فى غير ضعف وكان إذا مدحه مادح قال : اللهم أنت أعلم بى من كل إنسان وكان يكره الخيلاء سواء فى نفسه أو فى أقرب الناس إليه ولقد رأى مرة ابنته عائشة وهى تحس بنوع من الفخر والخيلاء فقال لها : إن الله لا ينظر إليك الآن لأن العبد إذا دخلته الكبرياء أعرض عنه ربه فخجلت عائشة مما فعلته واستغفرت ربها وعادت بسرعة إلى التواضع فقال لها : لعل ذلك يكفر عنك ما وقعت فيه.

ولكن تواضع أبى بكر ولين جانبه كانا فى حدود الشريعة والالتزامات الإسلامية ولهذا كان أبو بكر ينقلب قوة وحماسة وجرأة عندما تستدعى الأحداث ذلك ، فيروى أن أبا بكر فى خلافته أخذ على أبى سفيان سيد بنى أمية بعض الأخطاء ، فاحتد أبو بكر على أبى سفيان ، واضطر أبو سفيان إلى أن يتجه للين والضعف ، لينجو من قوة الخليفة وبطشه ، وقد سمع أبو قحافة والد أبى بكر هذا النقاش الذى يدور بين الاثنين ، والذى كان ابنه فيه مستعلياً قوياً ، وخصمه مستكيناً ضعيفاً ، فسأل أبو قحافة : على من يصبح ابنى ؟ فقالوا له : إنه يصيح على أبى سفيان ، فدهش أبو قحافة وقال : أعلى أبى سفيان تصبح يا أبا بكر وترفع صوتك ؟ لقد عدوت طورك وجزت قدرتك (أى زدت عن حدك) ولما علم أبو بكر بذلك قال لأبيه : أيا أبت إن الله رفع بالإسلام صاحب الحق وأذل به المعتدين.

وفى غزوة بدر كان أبو بكر علماً بين المسلمين ، وكان ابنه عبد الرحمن مع المشركين وقد برز عبد الرحمن من بين الصفوف وصاح : من يبارز ؟ فخرج له أبوه لمصارعته ، ولكن الابن تراجع ولم يدخل المباراة مع أبيه ولما دخل عبد الرحمن الإسلام قال لأبيه : لقد تعرضت لى يوم بدر ، وكنت أستطيع أن أقتلك ولككنى لم أفعل فقال له أبو بكر : ولكننى لو استطعت أن أقتلك فى سبيل الله لقتلتك.

5 – شجاعته :

يثبت التاريخ لأبى بكر مواقف كثيرة ، كان فيها هذا الرجل السمح المتواضع شجاعاً كأعظم ما تكون الشجاعة فيروى أنه كان يطالب بإعلان الإسلام ، عندما كان المسلمون قلة قليلة ولم يكن الأمر بإعلانه قد نزلت به آيات القرآن الكريم.

وكان يجلس على باب داره يقرأ القرآن بصوت رائع رقيق ينجذب له الناس ، فخاف رجال قريش عاقبة ذلك ومشوا إلى ابن الدغنة سيد الأحابيش الذى كان أبو بكر يعيش آنذاك فى جواره وحمايته وطلبت قريش من ابن الدغنة أن يلزم أبا بكر بالعبادة والقراءة فى منزله ، فكلمة ابن الدغنة آنذاك وطلب منه أن يقرأ القرآن فى بيته ولكن أبا بكر صاح فيه وقال : إنى أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله ، وواجه أبو بكر بذلك عنت قريش دون خوف أو تردد.

وفى بعض الملاحم الحربية كان أبو بكر يصمد حتى ولو ولى الأبطال فقد صمد فى موقعة أحد وموقعة حنين وعندما أشيع قتل الرسول (ص) صاح فى المسلمين قائلاً : ماذا تصنعون بالحياة بعده ، موتوا على ما مات عليه ، وعندما تولى الخلافة وهبت على الإسلام والمسلمين عواصف المتنبئين والمرتدين ومانعى الزكاة ودب الضعف فى قلوب الشجعان الذين ترددوا فى مواجهة العرب جميعاً عندئذ صاح أبو بكر : والله لأقتلن الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعونى عناقاً كانوا يعطونها لرسول الله لقاتلتهم عليها (متفق عليه) (والعناق هى الأنثى من أولاد الماعز) وصاح أبو بكر فى عمر الذى مال إلى السلامة وقال له : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب كنت أدخرك للشدائد فجئت تخذلنى ، وحقق أبو بكر النصر على كل المتمردين ولذلك روى أن عمر قبل رأسه بعد النصر وقال : لولا أنت لهلكنا.

6 – خلق المساواة :

كانت صفة المساواة بارزة فى أخلاق أبى بكر فهو مع مكانته فى الإسلام وقربه من الرسول ما كان ليرى لنفسه فضلاً على سواه ، ويروى أنه ناقش يوماً مع “ربيعة الأسلمى” حول أمر فقال أبو بكر لربيعة كلمة فيها شىء من القسوة ولكن أبا بكر سرعان ما ندم على ذلك وقال لربيعة : رد على مثلها حتى تأخذ بحقك قال ربيعة : لا أفعل فأنت صاحب رسول الله وأول من أٍلم من الرجال فلا أستطيع أن أرد عليك قال أبو بكر : إن لم تفعل شكوتك للرسول قال ربيعة : لا أستطيع أن أفعل فانطلق أبو بكر للرسول وهو حزين وقص عليه قصته مع ربيعة وجاء ربيعة فقال للرسول : ما كان لى أن أرد على أبى بكر كلمة بدرت منه فقال الرسول : أحسنت يا ربيعة ولكن قال : غفر الله لك يا أبا بكر فقالها ربيعة فشكره أبو بكر.

7 – لا يأكل إلا الحلال :

ومن صفات أبو بكر أنه كان لا يأكل إلا الحلال الطيب ويروى فى ذلك أن غلاماً له قدم إليه يوماً من الأيام بعض البلح الجيد وأكله أبو بكر ثم عرف أن الغلام حصل على البلح من رجل أعرابى كان الغلام قد أوهمه أنه يقرأ المستقبل وذلك شىء ليس من الإسلام فوضع أبو بكر اصبعه فى فمه حتى تقيأ ما أكله من هذا البلح وقال سمعت رسول الله يقول : “كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به”.

8 – الوفاء :

وخلق الوفاء كان من أبرز أخلاق أبى بكر ، يروى أنه كان مرة مع الرسول وحولهما بعض المسلمين فغضبت قريش من ذلك ووثبوا على المسلمين يضربوهم ويؤذونهم وكان نصيب أبى بكر من هذا الإيذاء جسيماً فقد ضرب على وجهه حتى تورم وأوشك أنفه أن يختفى من شدة الورم وحمله أهله إلى بيته وهو فى غيبوبة من الألم ، فلما أفاق كان أول ما نطق به قوله : ماذا فعل رسول الله ؟

ولكنه لم يتلق جواباً شافياً ، وحاول أهله أن يقدموا له طعاماً أو شراباً ولكنه رفض أن يأكل أو أن يشرب حتى يطمئن على رسول الله ، وأرسل فى طلب امرأة كانت قد دخلت الإسلام سراً وكانت تتابع أخبار الرسول فلما حضرت سألها عن الرسول فقالت إنه صحيح معافى ولكن هذا لم يقنعه وأصر على أن يحمل للرسول وهو فى مثل هذه الحالة ، ولما رآه واطمأن عليه تناول بعض الطعام والشراب.

9 – قلة الكلام :

كان أبو بكر حريصاً على قلة الكلام خوفاً من سقطة تقع منه وهو يتكلم وكان يقول للدعاة : إذا وعظت فأوجز ، فإن كثير الكلام يسىء بعضه البعض.
أبو بكر الصديق والخلافة :

توفى رسول الله (ص) ، دون أن يحدد خليفة للمسلمين ، وذلك ليتولى المسلمون مسئولية تحديد ولى الأمر من جيل إلى جيل. ولكن الباحث فى التاريخ الإسلامى يحس أن الرسول أعطى تلميحات تشير إلى أفضلية أبى بكر ، فكأنه يوصى باختياره ولو أنه لم يصرح لذلك ، فيروى أنه حدث نزاع بين جماعات الأوس ، وأن الرسول ذهب إليهم ليصلح بينهم ، وقال لبلال : إذا حضرت الصلاة قبل أن أعود فمر أبا بكر أن يصلى بالناس.

ويروى كذلك أنه عليه السلام لما اشتد به المرض. أمر أن يصلى أبو بكر بالناس بدلاً منه وقد أحست عائشة رضى الله عنها أن أباها سيهاب هذا الموقف وسيحزنه تخلف الرسول عن إمامته للناس ، فاقترحت على الرسول أن يأمر عمر بأن يؤم الناس ولكن الرسول كرر قولته : مروا أبا بكر أن يصلى بالناس وقد كرر ذلك ثلاث مرات ، مما يؤكد إصرار الرسول على أن تكون إمامة الصلاة لأبى بكر وقد اعتبر ذلك تلميحاً بفضل أبى بكر ولذلك نجد عمر عندما اختلفت الآراء حول تعيين الخليفة يقول لأبى بكر : ألم يأمر النبى بأن تصلى أنت يا أبا بكر بالمسلمين ؟ فأنت خليفته ونحن نبايعك لدنيانا ، من ارتضاه الرسول لديننا.

وفى البخارى أن امرأة أتت النبى (ص) فى أمر فقضى لها فيه وطلب منها أن تعود إليه بعد ذلك ليتحقق مما حدث لها فقالت له : ماذا لو جئت فلم أجدك ؟ فقال : إن لم تجدينى فأتى أبى بكر ( ). ولهذه المواقف رجحت كفى أبى بكر ليكون الخليفة الأول للمسلمين وبخاصة أنه كان أسن الصحابة وأسبقهم للإسلام ولصحبته للرسول فى الغار ولأن أكثر السابقين الأولين ، دخلوا الإسلام على يديه. وعندما قال أبو بكر للمجتمعين بالسقيفة : هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا قال عمر : لا .. والله لا نتولى هذا الأمر عليك فأنت أفضل المهاجيرن وثانى اثنين إذ هما فى الغار وخليفة الرسول فى الصلاة ، فمن ذا الذى يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليه ؟ وتمت بذلك البيعة لأبى بكر وعندما تمت البيعة لأبى بكر ألقى خطبة ضمنها أسلوبه فى الحكم وهى تعد دستوراً لكل حاكم منصف ونصها كالآتى : “أيها الناس : إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى ، الضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ الحق له ، والقوى فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه ، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت فلا طاعة لى عليكم”.

5 – حكومة أبى بكر :

كون أبو بكر أول حكومة فى الإٍسلام يقيمها خليفة بعد الرسول وجعل دستورها أن تعمل لمصلحة المحكومين وليس لمصلحة الحاكم ، وذلك هو خلاصة الفكر السديد وقمته ولتنفيذ ذلك اتخذ مساعديه من خيرة المسلمين وأكثرهم كفاءة وإخلاصاً فترك بيت المال لأبى عبيدة بن الجراح أمين الأمة ، وتولى عمر بن الخطاب القضاء وهو قمة فى العدل والنزاهة وكان زيد بن ثابت كاتب الرسول يكتب لأبى بكر ، كما جمع حوله خيرة الصحابة وكون منهم مجلس شورى لاستشارتهم فيما يحدث من أمور أما قادة أبى بكر فى المعارك الحربية التى خاضها فهم أبطال المسلمين آنذاك وعلى رأسهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبى جهل وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبى سفيان وأمثالهم من المغاوير.

وتسجل كتب التاريخ وصايا قدمها أبو بكر لقادته وأمراءه وهى تعد من أعظم الوصايا وأعمقها وتدل دلالة قوية على سمو فكر الخليفة وعظم كفاءته فهو يقول لأحد قادته : لا تغفل عن أهل عسكرك فيفسد العسكر ولا تتجسس عليهم فتفضحهم واقبل علانيتهم وكلهم إلى سرائرهم ، ويرسم لخالد بن الوليد أمر القيادة أدق وصف حين يقول له : سر بالأدلاء وقدم إليك الطلائع لترتاد لك الطريق وإذا دخلت أرض العدو فكن فى المؤخرة وعينك فى المقدمة فإن أمنك أمن الجيش واحرص على الموت توهب لك الحياة ، ولا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه.
ومن صور قضاء أبى بكر ما روى من أن عمر بن الخطاب أخذ ابنه عاصماً من زوجته المطلقة ، ليشرف هو على تربيته فشكته الأم إلى أبى بكر ، فقضى أبو بكر لأم بحضانة الطفل ، وقال لعمر ريحها خير له منك.

وكان الرسول يمتلك قطعة أرض صغيرة فى “فدك” كانت نصيبه من الفىء وكان الرسول يعطى ابنته السيدة فاطمة وبعض أهله جزء من نتاجها ويوزع الباقى بين فقراء المسلمين وبعد وفاة الرسول ذهبت فاطمة والعباس عم الرسول إلى أبى بكر يطلبان هذه القطعة باعتبارها ميراثاً لهما من الرسول صلوات الله عليه ، فقال لهما أبو بكر : سمعت رسول الله (ص) يقول : “نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة” ( ).

وقد كان أبو بكر يعلم حاجة فاطمة لهذه القطعة ولكن لم يكن باستطاعته أن يعطى من مال المسلمين أى جزء لأى أحد بدون وجه حق ، ومن المؤكد أن أبا بكر رفض إعطاء فاطمة قطعة الأرض وهو فى أشد الألم ، ولكنه كان ينفذ ما أوصى به الرسول (ص).

6 – أبو بكر وسلطان ولاته :

كان الرسول صلوات الله عليه قد أعد جيش أسامة بن زيد للخروج إلى الروم رجاء أن يثأر أسامة لأبيه الذى قتل فى غزوة مؤتة ، وكان عمر بن الخطاب جندياً من جنود أسامة فى هذا الزحف وتوفى الرسول قبل أن يخرج أسامة ولما تولى أبو بكر الخلافة أسرع بتنفيذ اتجاه الرسول وسار يودع أسامة وجيشه ، ولكن أبا بكر كان فى حاجة إلى عمر ويريد أن يستبقيه معه بالمدينة ، وربما جار لنا أن نقول أن أبا بكر كان من حقه أن يصدر قراراً باستبقاء عمر ، ولكنه لم يتجه هذا الاتجاه ورأى أن صاحب الشأن فى ذلك هو قائد الجيش ، فتقدم أبو بكر إلى أسامة وهمس فى أّنه راجياً أن يسمح لعمر بالبقاء مع الخليفة فى المدينة ، ففى ذلك مصلحة للإٍلام والمسلمين ، واستجاب أسامة لهذا الطلب دون تردد بطبيعة الحال.

وهذا الموقف يوضح لنا كيف أن أبا بكر كان حريصاً على دعم سلطان وإليه فيما تولاه دون أن ينتقص أحد أى قدر من سلطان الوالى.

7 – يحلب للأرامل :

قبل أن يصبح أبو بكر خليفة كان من عادته أن يساعد المحتاجين بكل صور المساعدة ، وكان من مساعداته أنه تعود أن يدخل بيت أرملة عجوز ليحلب لها شاتها ويساعدها فى إعداد الطعام ، ولما تولى أبو بكر الخلافة أحست العجوز أن أبا بكر لن يستطيع أن يثابر على هذا العون ، ولكن سرعان ما سمعت دقات على بابها فأرسلت حفيدة لها لترى من الذى يدق الباب وفتحت الطفلة الباب فرأت أبا بكر أمامها فصاحت الطفلة إلى جدتها : إنه حالب الشاة يا أماه : فقالت لها العجوز ويحك يا حفيدتى ، لا تقولى حالب الشاة ولكن قولى خليفة رسول الله ، فقال أبو بكر يا أماه .. إن الصفة التى ذكرتها الطفلة أحب إلى من كل الصفات.

جمع القرآن :

توفى رسول الله ، والقرآن الكريم لم يجمع فى مصحف واحداً إنما كان محفوظاً فى صدور الحفاظ ، وفى الصحف التى كانت عند الرسول ، وفى صحف كتاب الوحى ، وكان زيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود من خيرة حفاظ القرآن.

وقول الباحثون المسلمون : إن الرسول لم يجمع القرآن فى مصحف واحد لاحتمال ورود نسخ لبعض الآيات أو لاحتمال نزول آيات جديدة ، فلما انقضى هذا الاحتمال بوفاة الرسول أصبح جمع القرآن فى مصحف واحد عملاً ، ضرورياً ، وبخاصة أن عدداً كبيراً من الحفاظ قتلوا فى حروب الردة والمتنبئين ، فاقترح عمر بن الخطاب على أبى بكر أن يجمع القرآن فى مصحف واحد خوفاً من أن يموت آخرون فتضيع بعض آيات القرآن وبعد تردد قصير تم الاتفاق على ذلك واستدعى أبو بكر زيد بن ثابت ليقوم بهذا العمل ، فأحضر ما كتب من القرآن ، وكتب ما لم يكن مكتوباً تبعاً لما فى صدور الحفاظ ورتب هذه الصحف تبعاً لترتيب آى الذكر الحكيم كما أشار به جبريل ، فتكون من ذلك مصحف كامل واحد ومرتب ترتيباً دقيقاً ، وظلت هذه الصحف عند أبى بكر حتى مات ، ثم عند عمر طيلة حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر بعد وفاة أبيه.

وقد نسخ عثمان رضى الله عنه من هذا المصحف عدة نسخ ، أرسلت ، إلى العواصم الإسلامية الكبرى واحتفظ عثمان لنفسه بنسخة ، ورد النسخة الأًلية إلى حفصة وكان جمع القرآن وتدوينه مأثارة كبرى من مآثر أبى بكر وعمر وعثمان.

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

ÖÚ ÊÚáíÞ

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

المشاركات الشائعة

المشاركات الشائعة لهذا الشهر

المشاركات الشائعة لهذا الأسبوع

عالم الحياة البرية

اقرأ المزيد من مواضيع هذا القسم

عجائب و غرائب

اقرأ المزيد من مواضيع هذا القسم

مجلة الرجل

اقرأ المزيد من مواضيع هذا القسم

الصحة و الحياة

اقرأ المزيد من مواضيع هذا القسم

مجلة المرأة

اقرأ المزيد من مواضيع هذا القسم

المواضيع الإسلامية المميزة

اقرأ المزيد من مواضيع هذا القسم

أحداث متنوعة

اقرأ المزيد من مواضيع هذا القسم